الثلاثاء، 22 مارس 2016

ميزان الود راجح ****بقلم القاص خليل حسن اطرير

***قصّة قصيرة***بعنوان ***ميزان الودّ راجح***بقلمي***
.....طاحونة الزمن تبلي كلّ من يمرّ بها ، ربّما يتأخّر أحدهم فيهرم، أو يتقدّم فيطويه اللّحد ، ليصبح لعهد قصير ذكريات ، والخاتمة الفناء، مهما تشبّث العابرون بالسويعات *أو حداهم الأمل بالعيش أيّاما أو سنوات *إنّها الإرادة الإلهيّة الحتميّة الجارفة التي لا رادّ لها ،ولا قادرعلى كبحها بشر ، فكلّ واردها ، وشارب كأسها *فلمن العاقبة يا ترى؟
.....حطّم الدهر هام العزيمة عند أمّه المعطاء ، وردّتها السنون والشقاء والكدح إلى أرذل العمر، طفلة عالة قاصرة عن تناول أشيائها ، عاجزة عن الحراك لقضاء حاجاتها البسيطة، بل قفعت يداها عن الإمساك بلقمة تدسّها في فمها*** ما أقسى العجز الممزوج بالقهر المريرالمستمرّ من زوجة ابنها ! شربت كؤوس سوء المعاملة ، والمهانة المقصودة ، والإذلال المهين ، وصمتت على مضض أمام الصور السوداء التي رسمتها زوجة ابنها عن أمّه الواهنة ،حتّى وصل به الحنق إلى نهر أمّه وزجرها__لكن بلطف __ ، وهو على يقين أنّها بريئة من كلّ التهم المنسوبة إليها ،صمتت كي ييبقي سوار الأسرة مسبوكا بأمان وتفاهم وأتقان ، فاستكانت صابرة حرصا على سعادة لبنات بيت ابنها ، وهي تدرك دنو الرحيل بلا عودة، يحدوها الرجاء أن لا يبزغ عليها فجر*
..... تطوّر تذمّرالزوجة مع وجود حماتها إلى قنوط ، والإهمال إلى نسيان ،حتّى كان أطفالها يشكون من رائحة نتنة يشموّنها منبعثة من ركن الجدّة البسيط ، وأصبح الذباب يزور ذلك الركن زرافات زرافات ، يجتمع حول عينيها وعلى شفتيها ، وبلا رادع ، وبدأت نار كره وجود الأم تتوقّد ، وازداد اشتعال الحوارات بين الزوجين ،وأصبح البيت جهنّم ، وحاول الزوج رأب الصدع ، ولملمة الرزايا ، ولكنّه خاب ثم خاب ثم خاب ، رغم تدخّل والديها وضغوطهما عليها ****
.....تمسّكت الزوجة بخيارين لا ثالث لهما : إمّا أن نحملها ليلا بعد نوم الأطفال في السيارة إلى ********، وإمّا الطلاق *وأترك لك ولأمّك الأطفال وتقوما ن بتربيتهم *** ولن أتراجع عن قراري هذا ،ولك الخيار *والآن ! إمّا إلى ****** وإمّا إلى *
.....قال لها : قومي بتنظيفها ، وألبسيها ثوبا نظيفا ، وعطّري مكانها بعد غسله جيّدا ، استعدادا لوضعها في السيّارة ! *
......سارعت الزوجة لتلبية أوامره ، واطمأنّت على أطفالها النائمين ، ولبست أجمل الأثواب ، وتبرجّت بأبهى المساحيق والحليّ، و انتشر عطرها الفوّاح ابتهاجا ، ثمّ تعاونت مع زوجها على حمل أمّه ووضعها في السيّارة بهمّة ونشاط *
..... انطلقت السيّارة ، والفرحة والطمأنينة والانشراح تدغدغ عواطفها ، وأخذت تشرح لزوجها ما ستنجزه لسعادته ، ولإنعاش الأسرة ، كأنّما كانت والدته العقبة الكأداء في وجه تقدّم الأسرة وسعادتها ، والصمت يلفّ الزوج الذي يقود السيّارة بثقة وحنكة وهدوء أعصاب ، لم ينبس ببنت شفة *
..... انحدر بالسيّارة في المنعطف المتّجه نحو بيت والد زوجته ، صرخت : فق ! إلى أين ؟ هذا الطريق يوصلنا لبيت أهلي ! هل نسيت الاتّجاه المراد؟ 
..... قال : لا *ولكن ! في الشوارع حركة سيّارات كثيفةنشطة ، والمشاة كثر، وكل أهل القرية يعرفون سيّارتي ، والكلّ سيسأل : إلى أين كنت ذاهبا ليلة كذا **** ؟ سنمكث في بيت أهلك إلى أن تنقطع الأرجل من الشوارع ، وتموت حركة السيّارات *
...... حمل الزوجان كومة الهمّ _كما تسميّها الزوجة _، وولجا بها غرفة الاستقبال ، وتركته لتطمئنّ عن أمّها المريضة ، وعادت بعد مدّة غير قصيرة ، عابسة حزينة، 
....سأل الزوج : مالي أراك كئيبة ! ما الأمر؟ كيف حال والدتك ؟ عساها بخير ؟،
.... ردّت الزوجة:إنّها مريضة جدّا ، 
....طرح الزوج: ما رأيك في نقلها لبيتنا ،وتقومين برعايتها ؟ *
....لهجت بالدعاء له ، وهي تتلوّى أمامه دلالا وغنجا وتودّدا * ثم قالت: سأعدّ لها بعض الملابس ، وأجمع أدويتها ، ودخلت البيت مسرعة فرحة *
..... حملا أمّه للسيّارة ، ثمّ أسندا أمّها تتوكأ على كتفيهما في تؤدّة ، وأدخلاها السيّارة ، وتوجّه يلفّ المنعطفات الصاعدة نحو الأكمة ،إلى أن وصل شفا الجرف * أطفأ محرك السيّارة ، نزلا ، سارا جنبا إلى جنب على الشفا ، يبحثان عن هاوية بعيدة عميقة ، فوجداها ، عادا ، فتح باب السيّارة من جهة أمّها ، وطلب من زوجته مساعدته في إنزال أمّها ، ففتحت فاها في دهشة واستغراب ****
..... قال لها : لقد كبّلتني بأحد خيارين : إمّا إلقاء أمي من هذا الشفا ،في هذا الجرف السحيق ،وإمّا الطلاق؟ والآن أضعك بين خيارين : إما إالقاء الاثنتين ،نتخلص منهما معا ، نبدأ بأمّك ، إن هان عليك هذا ، كي لا تصرخ أمّك من هول المشهد ، فيجتمع الناس حولنا *ومصيرنا حبل المسد*وإمّا رعاية الاثنتين بإخلاص وتفان ، ومصيرنا الرضا والجنّة * اختاري ، والآن !!!
......صمتت تفكّر وتتدبّر طويلا ثم أجابت بصوت خافت بعد أن دسّت نفسها بين الاثنتين : أغلق باب السيّارة بسرعة ، كي لا يؤذي البرد والدتك ووالدتي ، هيّا إلى البيت ، فأمّك لم تتناول وجبة العشاء بعد * /انتهت القصة/ 
الاثنين 2016/3/21
الأديب القاص:خليل حسين اطرير/الأردن /الرصيفة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق