أسلمتهم وديعتَها ثم أسلمتِ الروح، فرَّتْ به من أقاصي الصعيد، قطعت الفيافي والقفار، لو أمكنها أن تخفيه بين جفنيها وتطبقهما عليه؟ ما ذنبه أن يؤخذ بجريرة أبيه؟ بل ما ذنب أبيه أن يؤخذ بجريرة آبائه الأقدمين؟
ذاق اليُتم صبيًّا، ترعرع في أحضان خال؛ هجر البلدة صغيرًا حتى نُسِي، للخال أربع بنات يصغرنه بسنوات، قمرات الدجى وشموس النهار، نشأن عفيفات حافظات، عاش بينهن أخًا خامسًا، يغض الطرف عنهن، يغار عليهن من النسيم العليل، يُتحفهن بما يصل إلى كفه من مال، أُفردتْ له غرفةٌ قصيةٌ بحمام خاص، تعلم ميكانيكا السيارات حتى بزَّ أقرانه، اعتاد السفر لشهور عدة، يرجع بعدها فيجد غرفته مهيأة كأنما غادرها بالأمس، السرير مفروش، الثياب نظيفة مكوية، الهواء معطر، يمكث زمنًا يطمئن فيه على أحوالهن، وعلى خاله الطيب؛ الراقد من سنين بعد وفاة زوجته، ثم يعاود السفر، اختفى فترات طويلة حتى خُشِي عليه، كلما رجع افتقد إحداهن، طارت اليمامات تباعًا إلى أعشاشهن الجديدة، ولم يبق منهن إلا الصغرى، لسانه معقود كلما هم بمفاتحة خاله، ارتج عليه القول وهو الخطيب الفصيح، لم يشأ الخال الطيب أنْ يُعنِته، يطول صمته ويزداد حرجه، يسافر فيواصل الغياب، يعود بعد سنوات ليجد البيت موحشًا، مات الخال الطيب، طارت اليمامة الأخيرة، الغريب أنَّ حجرته كانت كالعهد بها دائمًا نظيفة ومعطرة، سمع جلبة فخرج يستطلع الأمر، استقبله حفنة من الأطفال يلهون، كانت بنات خاله قد تواعدن على المجئ هذا اليوم لتنظيف البيت، رحبن به، لم يجدها بينهن، ولم يجرؤ على السؤال عنها، ترامى إلى سمعه بعض حديثهن، الصغرى تأيمت منذ شهور، وشارفت عدتها في بيت الزوجية على الانتهاء، تركَنَ عنده طعامًا شهيًّا، وعدن إلى أزواجهن، عاد هو إلى صمته ووحدته. لم يطل تردده هذه المرة، حسم أمره، سيتزوجها ويستقر، قطع تفكيره طرقات عنيفة وأصواتٌ منكرة، ثم ساد الصمت الموحش، أخيرًا قنصته رصاصات الثأر، تلك التي ضلت طريقها إليه ثلاثين عامًا.
ذاق اليُتم صبيًّا، ترعرع في أحضان خال؛ هجر البلدة صغيرًا حتى نُسِي، للخال أربع بنات يصغرنه بسنوات، قمرات الدجى وشموس النهار، نشأن عفيفات حافظات، عاش بينهن أخًا خامسًا، يغض الطرف عنهن، يغار عليهن من النسيم العليل، يُتحفهن بما يصل إلى كفه من مال، أُفردتْ له غرفةٌ قصيةٌ بحمام خاص، تعلم ميكانيكا السيارات حتى بزَّ أقرانه، اعتاد السفر لشهور عدة، يرجع بعدها فيجد غرفته مهيأة كأنما غادرها بالأمس، السرير مفروش، الثياب نظيفة مكوية، الهواء معطر، يمكث زمنًا يطمئن فيه على أحوالهن، وعلى خاله الطيب؛ الراقد من سنين بعد وفاة زوجته، ثم يعاود السفر، اختفى فترات طويلة حتى خُشِي عليه، كلما رجع افتقد إحداهن، طارت اليمامات تباعًا إلى أعشاشهن الجديدة، ولم يبق منهن إلا الصغرى، لسانه معقود كلما هم بمفاتحة خاله، ارتج عليه القول وهو الخطيب الفصيح، لم يشأ الخال الطيب أنْ يُعنِته، يطول صمته ويزداد حرجه، يسافر فيواصل الغياب، يعود بعد سنوات ليجد البيت موحشًا، مات الخال الطيب، طارت اليمامة الأخيرة، الغريب أنَّ حجرته كانت كالعهد بها دائمًا نظيفة ومعطرة، سمع جلبة فخرج يستطلع الأمر، استقبله حفنة من الأطفال يلهون، كانت بنات خاله قد تواعدن على المجئ هذا اليوم لتنظيف البيت، رحبن به، لم يجدها بينهن، ولم يجرؤ على السؤال عنها، ترامى إلى سمعه بعض حديثهن، الصغرى تأيمت منذ شهور، وشارفت عدتها في بيت الزوجية على الانتهاء، تركَنَ عنده طعامًا شهيًّا، وعدن إلى أزواجهن، عاد هو إلى صمته ووحدته. لم يطل تردده هذه المرة، حسم أمره، سيتزوجها ويستقر، قطع تفكيره طرقات عنيفة وأصواتٌ منكرة، ثم ساد الصمت الموحش، أخيرًا قنصته رصاصات الثأر، تلك التي ضلت طريقها إليه ثلاثين عامًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق